0
امتناع المنكرين
امتناع المنكرين
قد يقول قائل: كيف نقنع من ليس عنده اعتقاد بيوم القيامة؟ وكيف نستطيع إثبات يوم القيامة لرجل لا يعتقد بذلك أبداً.

يقول أحمد بن محسن الميثمي: كنت عند أبي منصور المتطبب.
فقال: أخبرني رجل من أصحابي قال: كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام.
فقال ابن المقفع: ترون هذا الخلق، وأومأ بيده إلى موضع الطواف، ما منهم أوجب له اسم الإنسانية إلا ذلك الشيخ الجالس، يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد u ، فأما الباقون فرعاع وبهائم.
فقال له ابن أبي العوجاء: وكيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء ؟
قال : لأني رأيت عنده ما لم أره عندهم.
فقال له ابن أبي العوجاء: لا بد من اختبار ما قلت فيه منه.
فقال له ابن المقفع: لا تفعل فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك.
فقال: ليس ذا رأيك ولكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إياه المحل الذي وصفت.
فقال ابن المقفع: أما إذا توهمت عليّ هذا فقم إليه وتحفظ ما استطعت من الزلل ولا تثني عنانك إلى استرسال فيسلمك إلى عقال وسِمْهُ مالك أو عليك.
قال: فقام ابن أبي العوجاء، وبقيت أنا وابن المقفع جالسين فلما رجع إلينا ابن أبي العوجاء قال: ويلك يا ابن المقفع ما هذا ببشر ، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهراً، ويتروح إذا شاء باطناً فهو هذا .
فقال له: وكيف هذا ؟
قال: جلست إليه، فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال: إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء وهو على ما يقولون يعني أهل الطواف فقد سلموا وعطبتم، وإن يكن الأمر على ما تقولون وليس كما يقولون فقد استويتم وهم.
فقلت له : يرحمك الله وأي شيء نقول، وأي شيء يقولون ما قولي وقولهم إلا واحد ؟ !
فقال: وكيف يكون قولك وقولهم واحداً وهم يقولون أن لهم معاداً وثواباً وعقاباً ويدينون بأن في السماء إلهاً وأنها عمران وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد.
قال: فاغتنمتها منه فقلت له: ما منعه إن كان الأمر كما يقولون أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف منهم اثنان؟ ولِمَ احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل، ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به ؟
فقال لي: ويلك وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك: نشوءك ولم تكن وكبرك بعد صغرك، وقوتك بعد ضعفك، وضعفك بعد قوتك، وسقمك بعد صحتك، وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك، وغضبك بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك، وفرحك بعد حزنك، وحبك بعد بغضك وبغضك بعد حبك وعزمك بعد أناتك، وأناتك بعد عزمك، وشهوتك بعد كراهتك، وكراهتك بعد شهوتك، ورغبتك بعد رهبتك، ورهبتك بعد رغبتك، ورجاءك بعد يأسك، ويأسك بعد رجائك وخاطرك بما لم يكن في وهمك وغروب ما أنت معتقده عن ذهنك، وما زال يعدد عليّ قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها حتى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه ؟
وعنه عن بعض أصحابنا رفعه وزادني من حديث ابن أبي العوجاء حين سأله أبو عبد الله u قال: عاد ابن أبي العوجاء في اليوم الثاني إلى مجلس أبي عبد الله u فجلس وهو ساكت لا ينطق.
فقال أبو عبد الله u: كأنك جئت تعيد بعض ما كنا فيه.
فقال: أردت ذلك يا ابن رسول الله.
فقال له أبو عبد الله u: ما أعجب هذا تنكر الله وتشهد أني ابن رسول الله !
فقال: العادة تحملني على ذلك .
فقال له العالم u: فما يمنعك من الكلام ؟
قال: إجلالاً لك ومهابة، ما ينطق لساني بين يديك، فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما تداخلني هيبة قط مثل ما تداخلني من هيبتك .
قال: يكون ذلك، ولكن افتح عليك بسؤال، وأقبل عليه، فقال له: أمصنوع أنت أو غير مصنوع ؟
فقال عبد الكريم بن أبي العوجاء: بل أنا غير مصنوع.
فقال له العالم u: فصف لي لو كنت مصنوعاً كيف تكون ؟
فبقي عبد الكريم ملياً لا يحير جواباً وولع بخشبةٍ كانت بين يديه وهو يقول: طويل، عريض، عميق، قصير، متحرك، ساكن، كل ذلك صفة خلقه.
فقال له العالم u: فإن كنت لم تعلم من صفة الصنعة غيرها، فاجعل نفسك مصنوعاً لما تجد في نفسك مما يحدث من هذه الأمور.
فقال له عبد الكريم: سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها.
فقال أبو عبد الله u: هبك علمت أنك لم تسأل فيما مضى فما علمك أنك لا تسأل فيما بعد؟ على أنك يا عبد الكريم نقضت قولك لأنك تزعم أن الأشياء من الأول سواء، فكيف قدمت وأخرت؟ ثم قال: يا عبد الكريم أزيدك وضوحاً، أرأيت لو كان معك كيس فيه جواهر، فقال لك قائل: هل في الكيس دينار؟ فنفيت كون الدينار في الكيس. فقال لك: صف لي الدينار، وكنت غير عالم بصفته، هل كان لك أن تنفي كون الدينار في الكيس وأنت لا تعلم ؟
قال : لا .
فقال له أبو عبد الله u : فالعالم أكبر وأطول وأعرض من الكيس، فلعل في العالم صنعة من حيث لا تعلم صفة الصنعة من غير الصنعة .
فانقطع عبد الكريم، وأجاب إلى الإسلام بعض أصحابه وبقي معه بعض، فعاد في اليوم الثالث، فقال: اقلب السؤال.
فقال له أبو عبد الله u: سل عما شئت.
فقال: ما الدليل على حدوث الأجسام ؟
فقال: إني ما وجدت شيئاً صغيراً ولا كبيراً إلا وإذا ضم إليه مثله صار أكبر، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الأولى، ولو كان قديماً ما زال ولا حال، لأن الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث، وفي كونه في الأزل دخوله في العدم، ولن تجتمع صفة الأزل والعدم والحدوث والقدم في شيء واحد.
فقال عبد الكريم: هبك علمت في جري الحالتين والزمانين على ما ذكرت، واستدللت بذلك على حدوثها، فلو بقيت الأشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدوثهن.
 فقال العالم u: إنما نتكلم على هذا العالم الموضوع، فلو رفعناه ووضعنا عالماً آخر، كان لا شيء أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضع غيره، ولكن أجيبك من حيث قدرت أن تلزمنا فنقول: إن الأشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنه متى ضم شيء إلى مثله كان أكبر، وفي جواز التغيير عليه خروجه من القدم، كما أن في تغييره دخوله في الحدث ليس لك وراءه شيء يا عبد الكريم ، فانقطع وخزي .
فلما كان من العام القابل التقى معه في الحرم، فقال له بعض شيعته: إن ابن أبي العوجاء قد أسلم.
فقال العالم u: هو أعمى من ذلك لا يسلم، فلما بصر بالعالم قال: سيدي ومولاي.
فقال له العالم u: ما جاء بك إلى هذا الموضع ؟
فقال: عادة الجسد وسنّة البلد ولننظر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة.
فقال له العالم u: أنت بعد على عتوك وضلالك يا عبد الكريم .
فذهب ابن أبي العوجاء يتكلم
فقال له u: لا جدال في الحج، ونفض رادءه من يده وقال: إن يكن الأمر كما تقول وليس كما نقول نجونا ونجوت، وإن يكن الأمر كما نقول، وهو كما نقول نجونا وهلكت.
فأقبل عبد الكريم على من معه فقال: وجدت في قلبي حزازة فردوني فردوه فمات لا رحمه الله .




إرسال تعليق

 
Top