0
خلق الإنسان
خلق الإنسان

قال الله تعالى في كتابه العزيز: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)

يتحدث الإمام الحسين عليه السلام عن خلق الإنسان منذ بدء خلقه وانتقاله في عالم الأصلاب ثم سكناه في ظلمات ثلاث ثم خروجه منها خلقاً تاماً سوياً فيقول عليه السلام في دعائه : « وأشهد بالربوبية لك مقراً بأنك ربي وإليك مردّي، ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئاً مذكوراً، خلقتني من التراب ثم أسكنتني الأصلاب آمناً لريب المنون واختلاف الدهور والسنين، فلم أزل ظاعناً من صلب إلى رحمٍ في تقادم من الأيام الماضية والقرون الخالية، لم تخرجني لرأفتك بي، ولطفك لي وإحسانك إلي في دولة أئمة الكفر، الذين نقضوا عهدك، وكذبوا رسلك، لكنك أخرجتني للذي سبق لي من الهدى، الذي له يسرتني وفيه أنشأتني، ومن قبل ذلك رأفةً بي بجميل صنعك وسوابغ نعمك، فابتدعت خلقي من مني يمنى، وأسكنتني في ظلمات ثلاث من بين لحم ودم وجلد، لم تشهدني خلقي، ولم تجعل لي شيئاً من أمري، ثم أخرجتني للذي سبق لي من الهدى إلى  الدنيا تاماً سوياً، ثم حفظتني في المهد طفلاً صبياً ورزقتني من الغذاء لبناً مرياً، وعطفت على قلوب الحواضن، وكفلتني الأمهات الرواحم، وكلأتني من طوارق الجان، وسلمتني من الزيادة والنقصان...» .

وإذا ما نظرنا إلى الإنسان وأول حالات تولده وإيجاده، وإلى والديه، فإننا نرى أنه تولد في أول إيجاده من أبوين هما النور والرحمة كما في الحديث الشريف عن الإمام الرضا عليه السلام : «المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه أبوه النور وأمه الرحمة» .

وعندما يقول الله سبحانه وتعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) لأنه خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته وأخذ ميثاقهم بالولاية لأهل البيت عليهم السلام .

إلا أن الإنسان حين نزل إلى هذه الدنيا حصلت له ثلاث انتقالات:
منهم من بقي على عهده بولاية أمير المؤمنين عليه السلام فبقي ناظراً إلى عالم الإمكان كما كان، لم تغيره مسالك الدنيا ولم يلتفت إليها ولم تغرّه وكأنه في موقفه من الدنيا إن قال لهـا : «يا دنيا، يا دنيا إليك عني أبي تعرضت، أم إليَّ تشوفت، لا حان حينُكِِ، هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملُكِِ حقير، آهٍ من قلة الزاد، وطول الطريق، وبُعد السفر، وعظيم المورد»، وهو إنسان أدرك حقيقة هذه الدنيا فهي لديه (مثل حية لين مسها، قاتل سمها، فأعرضَ عما يعجبه منها، وقلة ما يصحبه منها، ووضع عنه همومها، لما أيقن من فراقها، فكان آنس ما يكون بها إن حذر ما يكون منها، وعَرِفَ أن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور أشخصته إلى محذور) .
وإن إنساناً كهذا لا يزال لشعاع نورهم الذي خلق منه محافظاً وعلى عهدهم باقياً، فلا يغتاب أحداً، ولا يحسد أحداً وجميع تصرفاته هي وفق ما كانت عليه في عالم الإمكان.




إرسال تعليق

 
Top