0
الصّائم أكثر تقبلاً لمعاني كتاب الله
الصّائم أكثر تقبلاً لمعاني كتاب الله

الحمد لله الذي جعل الصيام جُنّة من آفات الدنيا، وجعل الصيام سببا من أسباب البعد عن عذاب الآخرة، والحمد لله الذي جعل الصيام طهارة للنفوس، وصفاء للصدور، ثم الصلاة والسلام على خير خلقه ومظهر لطفه، وأشرف بريته، المبعوث رحمة للعالمين، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمّد، صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين .

الصيام هو الإمساك، وكل شيء سكن ولم يتحرك فهو صائم فصامت الريح إذا سكنت وصامت الخيل إذا وقفت والصيام هو الصمت، لأن الصمت إمساك عن الكلام، ولأن الصائم في صيامه تقطع هممه عن الشهوات، ويتفرغ لله بالعبادة فإنه يكون إلى الله أقرب، ولقربه من الله عز وجل فإنه إذا تلا آيات الله عز وجل يكون أشد قرباً إلى الله عز وجل، وعندما ننطلق في رحاب آيات الله فإننا نسمع قول الله عز وجل : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان } [البقرة/185] .


البذرة الحقيقة

شهر رمضان شهر فرض فيه الصيام وشهر أنزل فيه القرآن فزاد الله شرفه تشريفا ، لأن الله عز وجل أنزل القرآن في شهر رمضان وجعل الصيام الذي هو مناسب لتلقّي هذا الكتاب الإلهي من السماء لكي يكون عند الإنسان تقبل لكتاب الله عز وجل.

ولنضرب مثالا يوضح لنا ذلك فعندما تريد أن تزرع أرضاً لا بد أن تُهيئ هذه الأرض لتكون صالحة للزراعة، وعندما تبذر البذرة ولا تسقيها بالماء ولا تعطيها ما ينميها فإن هذه البذرة سوف تموت في مكانها، ولكن عندما تبذر البذرة في أرض صالحة للزراعة وترعاها رعاية ستنمو معها هذه البذرة، والقرآن عندما ينزل على صدر الإنسان ويكون الإنسان مهيأ لتلقيه يكون له الأثر الواضح في حياته ، فصدر الإنسان لا بد أن يكون صافياً طاهراً لتلقّي كتاب الله عز وجل، حتى يكون هناك أثر حقيقيّ لكتاب الله في نفس الإنسان، قال تعالى: { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون } [الحشر/21] .


جبل ولكن

فعندما يقول الله عز وجل ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ) الجبل مع ضخامته ومع قساوته ومع صلابته ومع عظم خلقه، إلا أنه لو كان يعقل ما في كتاب الله لو كان مما يعقل ويدرك، لخشع وخضع من خشية الله، في هذه الآية تعريض بابن آدم الذي يسمع آيات الله ولكنه لا يتقبلها، ولا يعيها، فالله عز وجل يقول: ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) إشارة إلى أن أرضية الإنسان صدر الإنسان ينبغي أن يتقبل ما سينزل عليه من كتاب الله وأن يتوجه إلى فهم معاني الكتاب .


التلقي الحقيقي

وقد قال الإمام الصادق (ع): ( من أراد أن يُكلّمه الله فليقرأ القرآن، ومن أراد أن يُكلّم الله فليصلِ )، عندما يسمع الإنسان القرآن ينبغي أن يكون سماعه كمن يسمعه ممن أوحاه، يعني ينبغي أن يستحضر عظمة الجليل جل عُلاه حتى يسمع آيات الله عز وجل، كأنها أنزلت للتوّ، من هنا عندما يكون الإنسان صائماً تكون عنده أرضية، وقابلية لتقبّل آيات الله عز وجلّ، وتكون هذه الأرضية صافية طاهرة، لأنه بصيام الإنسان ينقطع عن الشهوات، وينقطع عما يقوّي النفس الشهوانية فيه، وعندما يصوم تجف عروق الإنسان فيتقبل المعاني الإلهية، ورد في الرواية: ( إن الشيطان ليجري في ابن آدم مجرى الدم في العروق) فإذا كان الشيطان يجري مجرى الدم في العروق، والصيام يُنشّف هذه العروق ويضيّق هذه العروق على الشيطان فيقلّ جريان الشيطان فيها، لأنه لكثرة الطعام ولكثرة إدخال المتشابهات وكثرة إدخال ما حرّم الله عز وجل على الإنسان في جسم الإنسان يؤدي ذلك أن يستفحل الشيطان في ابن آدم.


فرض الصيام

دخل رجل يهودي على رسول الله (ص) وقال: يا محمد لماذا فرض الله سبحانه وتعالى الصيام على أمّتك ثلاثين يوماً ولم يفرضه كما فرضه على الأمم السابقة بأن جعل في كل شهر ثلاثة أيام، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: بلى إن آدم عندما أكل من الشجرة التي نهاه الله عز وجل عنها أمره الله أن يصوم ثلاثين يوماً حتى ينتفي من بدنه ما خالف به من أكل الشجرة . وهذا يعد مخالفة الأولى وهو الأكل من تلك الشجرة مع النهي عن الأكل منها .


ربيع القرآن

الإنسان يطهر جسمه من الشبهات والحرام والتبعات تكون قابلية فكره للتدبر والتعقل والتفقه والتمعن والوعي أكثر وأشد، ومرآة عقله تصفو وكلما صفت مرآة العقل استطاع أن يتقبل مفاهيم القرآن وتعاليم القرآن وعقائد القرآن وأحكام القرآن بصورة أكثر وأكبر.

والله عز وجل أمرنا أن نتلو كتابه في شهر رمضان،وأن نتدبر معانيه فقد وردت الأحاديث المتكثرة في فضل تلاوة كتاب الله أثناء الصيام، منها: ( إن لكل شيء ربيعاً وربيع القرآن شهر رمضان)، ومنها قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخطبة الشعبانية في آخر جمعة من شهر شعبان: ( ومن تلا من كتاب الله آية في هذا الشهر كان كمن ختم القرآن في غيره من الشهور) .


كتاب أحصى كل شيئ

وعندما تنص الروايات على كثرة تلاوة القرآن فإن هذا لا يعني أن الإنسان يتصفّح القرآن تصفّحاً أو أنه يقرؤه بسرعة قراءة ليس فيها تدبّر وليس فيها خشوع، وليس فيها خضوع، وليس فيها اعتبار،وليس فيها توقّف عند آيات العذاب،وليس فيها طلب النعيم عند آيات النعيم لأن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا يقرؤون القرآن ولا يتجاوزون عشر آيات إلا بعد أن يعرفوا ما فيها من أسرار ومعاني وأحكام وأمثال وأقسام وفنون وعلوم وأبعاد وغيرها من مطارحات فكرية تفيد الإنسان في حياته .

هل نقلل من التلاوة للتفكر ؟

وهذا أيضا لا يعني أن نُقلّل من كثرة تلاوة القرآن، ولكن ينبغي أن تكون القراءة قراءة تدبّر وفهم ووعي، حتى يحصل الأثر المراد من قراءة كتاب الله، وبالنظر إلى زواجر القرآن ومواعظه وروائعه وإشاراته، وأوامره ونواهيه نستطيع عند ذلك أن نعي لماذا نقرأ القرآن في شهر رمضان، هنا يعطينا الجليل جل علاه عبرة في قراءة هذا الكتاب الغني بالأبعاد الفكرية والروحية التي تصقل عقل الإنسان وتصفّي روح الإنسان، حتى تكون عنده الآخرة أهمّ من هذه الدنيا الزائلة، أما إذا كانت قراءة الإنسان بدون تدبّر وبدون وعي وبدون فهم لن يصلح أن يكون قابلاً لتفهم ما في القرآن من معانٍ .


شفاء للصدور

يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): ( وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث وتفقّهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء للصدرو، وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص) لندقق النظر ولنمعن الفكر ولنسرح بريد الفكر والتدبر في قول الإمام عليه السلام : ( وأحسنوا تلاوته ) ليست المسألة القراءة المستعجلة، وإنما القراءة التي فيها تلاوة، والقراءة التي فيها ترتيل { ... ورتل القرآن ترتيلا } [المزمل/4]؛ قراءة فيها تمعّن، وتدبّر وتفكّر، وتفهّم، ووعي، عند ذلك يقول أمير المؤمنين(ع): "فإن العالم بغير علمه، كالجاهل الحائر، لا يستفيق من جهل بل الحُجة عليه أعظم، والحسرة له ألزم، وهو عند الله ألوم).


شرط التدبر والتفكر

والإنسان الذي يقرأ القرآن بدون تدبّر وتفكّر، مذموم في كثير من الاخبار النبوية والأهل بيتية فقد ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( يأتي في آخر الزمان أناس يقرؤون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، أولئك يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية )فالمرء الذي يقرأ ولكنه لا يتدبّر لا يصل القرآن إلى صدره وإنما يصل فقط إلى مجاري الحلق، وإلى مخارج الحروف التي تبدأ من الحلق إلى الشفة

وهذا الإنسان الذي يقرأ القرآن ولا يتجاوز ترقوته معناه أن حقيقة القرآن لم تصل إلى صدره والقرآن الذي هو شفاء لما في الصدور لا يشفي صدره { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ....} [الإسراء/82] .

وعندما نريد أن يكون القرآن شفاء لصدورنا ، وأن يكون القرآن رحمة لنا ، وأن يكون القرآن ربيعا لقلوبنا لا بد أن تكون التلاوة تلاوة تتناسب مع حقيقة القرآن ومع عظمة القرآن ومع من تلا القرآن بحق، وهو نبينا محمد (ص) لإدراك حقيقة المعاني التي وردت في كتاب الله .


عبر ودروس

ولابد أن ندرك أن القرآن فيه معارف وأحكام ، وفيه أسرار وخفايا ، وفيه خواصّ ومعانٍ، وفيه سنن وآداب ، وفيه قضايا ومسائل ، وفيه مطارحات وعقائد ، وفيه جدل ومناقشات، وفيه آيات بينات محكمات وأُخر متشابهات ، وفيه بيان انحرافات الأمم الكبرى التي انحرفت وضلّت عن طريق الحقّ، وفيه بيان لحقيقة الإيمان والكفر، وفيه بيان لحقيقة الإسلام والشرك، وفيه العلوم والبحوث والحقائق، وفيه بيان للأخلاق الفاضلة السامية، وفيه الشواهد والعبر، وفيه الدروس، وفيه العديد من المعاني، فإذا كانت قراءة الصائم قراءة متأنية استطاع الإنسان أن يدرك هذه الأمور التي ذكرناها .


دعوة خاصة عامة

وينبغي للإنسان أن يتخذ نسخة من كتاب الله، وأن تكون كبيرة الحجم، وأن يهيأ معه قلما وأن يُعلّم على بعض الآيات، بأن هذه الآية فيها أمر، ويضع في الحاشية، هذا أمر لكذا، وهذا نهي عن كذا، وهذه قصة عن كذا، فمثلاً سورة الكهف تحتوي على سبع قصص كبيرة وعظيمة، ينبغي أن يؤشّر الإنسان على كل قصة ، وهناك بعض المصاحف تأتي ملوّنة بحسب الموضوع ، وتدل صفحاتها بحسب اللون أن هذه موضوعها في كذا وموضوعها في كذا، وأن هذه قصة أصحاب الكهف، وأن هذه قصة ذي القرنين، وهذه قصة موسى، وهذه قصة آدم، وهذه قصة الخضر وموسى عليه السلام، وهذه قصة صاحب الجنة

والإنسان إذاهيأ مثل هذه النسخة من كتاب الله التي فيها مثل هذه الأشياء المؤشر والمعلَّم عليها بأن هذه المضامين هل هي عبرة؟ هل هي ردّ؟ هل هي زجر؟ هل نهي؟ مثلاً: إذا قرأ قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا ) فينبغي التوقف والتأمل فالإمام الصادق (عليه السلام) يقول: ( إذا قرأت هذه الآية فاصغِ سمعك، وأحضر قلبك، فإن ما بعدها إما أمر يجب أن تأتمر به، وإما نهي يجب أن تنتهي عنه) .

وإذا توجّه القارئ لكل آية فيها ( يا أيها الذين آمنوا)، أو آية فيها عذاب، أو آية فيها نعيم، وتأمّل فيها أشد التأمل يحقق بذلك صفاء الصدر ونقاوة القلب وطهارة النفس ، ولذا قال نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):( إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل: يا رسول الله فما جلاؤها؟ قال صلى الله عليه وآله: تلاوة القرآن)


سر من الأسرار

السر لا يباح إلا لأهله وانتم من أهل الأسرار : 
العابد عندما يتعبّد ويكثر من العبادة،و يقول مثلا : سبحان الله ! لا إله إلا الله ، ويتلو كتاب الله، فإنه بذلك يرزن عقله، ويكون حاله في تعامله مع الآخرين تعامل الإنسان الرزين الثقيل المؤمن، ولكن العابد ليس مثل العالم، فالعالم عندما يتفكر ويتدبر في كتاب الله، وفي آيات الله، فهو ينور عقله، فيتعامل مع الناس بصفاء العقل، لا بالعبادة فقط

والفرق بين العالم والعابد أن العالم إذا جاءت إليه المدلهمّة فإنه ينسفها نسفاً، يعلم بأمور زمانه، يدرك من خلال وعيه للقرآن ماذا ينبغي أن يعمل في هذا الزمن، بخلاف العابد كما شبّهه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إذا كان عابداً دون علم فهو ما يفسده أكثر مما يُصلحه، بل وأشد من ذلك شبّهه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (إنه كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح) فما فائدة أن يتلو الإنسان كتاب الله من أوله إلى آخره ولكنه لم يغيّر في نفسه شيئاً.


حقيقة التغيير

حقيقة التغيير أن يكون للقرآن وقعاً وأثراً في نفس الإنسان، إذا غيّر من سلوك الإنسان وأصلح من شأنه استطاع أن يقول: نعم لقد قرأت القرآن، ما فائدة الصلاة إذا لم يخشع فيها الإنسان ولم تغير من حياته شيئاً، { اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون } [العنكبوت/45] .
إذا صلى الإنسان ولم يزل مداوماً على المعاصي والذنوب فمعناه أن هذا الإنسان لا تنفعه صلاته، بل صلاته تصفعه، ( كم من قارئٍ للقرآن والقرآن يلعنه) .


نتيجة ومفادها

إذن نصل إلى نتيجة مفادها أنه بالتفكر في آيات الله يصفو عقل الإنسان، ويطهر قلب الإنسان فيكون محلاً للتلّقي، والصائم عنده مثل هذه الأرضية، وعنده القابلية والاستعداد لتقبل معاني القرآن، لماذا؟ لأنه ممتنع عن المعاصي، وممتنع عن الشهوات، وبعيد عن الطعام والشراب، وغيرها من المفطرات التي حددها الله، وممسك عما سوى الله وهو دائماً في ذكر الله ، وبهذا يكون التلقي لكتاب الله أسرع ويكون أكبر، ويكون أثره في عملية التغيير أوسع وأشمل ، ولهذا يقول الشاعر:

الحقّ أنت وأنت إشراق الهدى 
ولك الكتاب الخالد الصفحاتِ
من يقصد الدنيا بغيرك يلْقها 
تيهاً من الأهوال والظلماتِ
لو شرّق القوم الكبار وغرّبوا 
فإليك حتماً منتهى الخطواتِ
ظلّت علومهمُ برغم نبوغهم 
وتنكّبوا لمهالك خطراتِ
لو أحسنوا فهم السلام لأسلموا 
ما غير دينك سلّمٌ لنجاةِ

سُلّمُ النجاة هو دين الإسلام، الكتاب هو القرآن الخالد الصفحات، ولولا كتاب رسول الله وهو القرآن الكريم الذي أنزله الله عز وجل على صدر نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لما رأينا معجزاً من معاجز الأنبياء، والمعجزة الخالدة الباقية إلى الآن هي القرآن ، كل معاجز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليست بين أيدينا الآن ولكن ما بين أيدينا هو كتاب الله هو المعجزة الخالدة، يقول الشاعر في ذلك :

لولا كتابك ما رأينا معجزاً 
في أمة مرصوصة البنيانِ
لله دينك جنة مختومة 
من كل فاكهة بها زوجانِ
دينٌ تدفّق حكمة وتجدّداً 
كالبحر لفظاً والسماء معاني
وجمعت حولك يا رسول صحابة 
بعمائم تزهو على التيجانِ
قم يا رسول الله وانظر إننا 
قد مزقتنا طُغمة الشيطانِ
أمعلّم التوحيد وحّد أمّةً 
قد فرّقتها نعرة الأديانِ
صلّت عليك ملائك الرحمن 
وسرى الضياء بسائر الأكوانِ
أخرجت قومك من ضلالات الهوى 
ودعوتهم للواحد الديّانِ


موحد للأمة جميها

فالقرآن هو الموحد للأمة ، وكتاب الله هو الحافظ لشرعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أسفله مغدق، وأعلاه مثمر، وإن له حلاوة) هذه شهادة من إنسان كافر وهو الوليد بن المغيرة، الذي لما سمع القرآن تعجّب، قالوا: لقد صبوت إلى دين محمد، قال: لا، وإنما القرآن له حلاوة .


حلاوة القرآن

عندما يريد الإنسان أن يذوق حلاوة كتاب الله فعليه أن يتدبر الأسرار، ومن الحريّ أن يأخذ الإنسان تفسيراً من التفاسير ليضع على آيات الله بعض المعاني ، ففي كتاب الله ناسخ ومنسوخ، ومجمل ومفصل، ومحكم ومتشابه، وعام وخاص، ومقيد ومطلق، ومؤول ومنزل، كل هذه المعاني عندما تُسجل في هذه النسخة التي تجعلها عندك لكي تبين أن هذه الآية هل هي من المتشابه أم هي من المحكم ؟ هل هي من المفصل أم هي من المجمل؟ ، هل هي من المقيد ، أم هي من المطلق؟ ، هل هي من الخاص، أم هي من العام ؟، ما سبب نزولها ؟ ، وقد تكون هذه النسخة بعد وفاتك كتابا يطبع باسمك ،

نسخة من مصحف الإمام علي عليه السلام

وعندما تسجل هذه المعاني، وإن كانت معانٍ بسيطة وصغيرة، لكن هذه النسخة ينبغي أن تلتفت إليها دائماً، وهذه النسخة ستكون مشابهة للنسخة التي كانت عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، لأن أمير المؤمنين أرواحنا له الفداء، كان يسجل عند كل آية من المقصود بهذه الآية ؟ ، وفيمن نزلت؟ وإلى من يعود هذا الضمير؟ ومن هو المنافق المذكور في هذه الآية ؟ وكم عدد المنافقين في هذه الآية ؟ ومن هم المنافقون؟ ومن هم الثلاثة الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت؟

وإذا تجلى هذا الإحساس وتجسد هذا الشعور فإن القارئ يستطيع عندها أن يقرأ القرآن وهو يتأمل أشد التأمل للدروس والمشاهد والبراهين والحجج، والأنوار الإلهية التي أودعها الله عز وجل في كتابه العظيم .


والخاتمة دعاء

هنا نسأل من الله عز وجل أن يكون كتاب الله ربيع قلوبنا وشفاء لصدورنا وأن يجعل القرآن كتابنا الذي نمسكه بإيماننا يوم القيامة { فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه ، إني ظننت أني ملاق حسابيه } [الحاقة/20/19]، وأن يكون القرآن في ساحة المحشر هو الكتاب الذي نقدمه صحيفة لأعمالنا إن شاء الله تعالى .




إرسال تعليق

 
Top