0
نور الزهراء عليها السلام
نور الزهراء عليها السلام
عن جابر عن أبي عبد الله u قال: «قلت له لِمَ سميت فاطمة الزهراء زهراء ؟ فقال: لأن الله U خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرت الملائكة لله ساجدين..» .
بعد رحلة في عالم الأصلاب الطاهرة، انبلج نور فاطمة الزهراء عليها السلام في العشرين من جمادى الآخر من السنة الخامسة بعد المبعث النبوي الشريف.
«فلما سقطت على الأرض أشرق منها النور حتى علا بيوتاتُ مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرقَ فيه ذلك النور».
وكانت عليها السلام قبل ولادتها هي الجنين الذي كانت تحدث أمها وهي في بطنها.
يقول الإمام الصادق u وقد سُئِلَ عن كيف كانت ولادة فاطمة ؟ فقال: نعم، إن خديجة عليها السلام لما تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وآله هجرتها نُسوة مكة، فكُنّ لا يَدخُلن عليها، ولا يسلمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها فاستوحشت خديجة عليها السلام لذلك وكان جزعها وغمها حذراً عليه، فلما حملت بفاطمة عليها السلام كانت فاطمة عليها السلام تحدثها من بطنها وتُصبرها، وكانت تكتم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً فسمع خديجة عليها السلام تحدث فاطمة عليها السلام فقال لها: يا خديجة من تُحدثين ؟
قالت : الجنين الذي في بطني يحدثني ويُؤنسني .
قال: يا خديجة، هذا جبرائيل يخبرني أنها أنثى، وأنها النسمة الطاهرة الميمونة، وإن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها...» .
هذه هي فاطمة عليها السلام في مهدها، وفي أول لحظة من لحظات تكوينها، وهي بعد أن اعتزل النبي صلى الله عليه وآله عن خديجة عليها السلام أربعين صباحاً «إذ هبط عليه جبرئيل u في صورته العظمى قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب، فناداه: «يا محمد العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة عليها السلام أربعين صباحاً»، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وآله ، وكان لها محباً، وبها وامقاً .
قال فأقام النبي صلى الله عليه وآله أربعين يوماً يصوم النهار ويقوم الليل، حتى إذا كان في آخر أيامه تلك بعث إلى خديجة عليها السلام عمار بن ياسر رضي الله عنه وقال: «قل لها يا خديجة لا تظني أن انقطاعي عنك ولا قلى ولكن ربي U أمرني بذلك لينفذ أمره، فلا تظني يا خديجة إلا خيراً، فإن الله U ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً فإذا جنك الليل فأجيفي الباب وخذي مضجعك من فراشك فأني في منزل فاطمة بنت أسد» فجعلت خديجة عليها السلام حزن في كل يوم مراراً لفقد رسول الله صلى الله عليه وآله .
فلما كان في كمال الأربعين هبط جبرئيل u فقال:
«يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام، وهو يأمرك أن تتأهب لتحيته وتحفته».
قال النبي صلى الله عليه وآله : «يا جبرئيل وما تحفة رب العالمين؟ وما تحيته ؟» .
قال : لا علم لي .
قال فبينا النبي صلى الله عليه وآله كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس، أو قال استبرق فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله. وأقبل جبرئيل u وقال : «يا محمد يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام». فقال علي بن أبي طالب u: «كان النبي 5 إذا أراد أن يفطر أمرني أن أفتح الباب لمن يرد الإفطار، فلما كان في تلك الليلة أقعدني النبي صلى الله عليه وآله على باب المنزل» وقال: «يا ابن أبي طالب إنه طعام محرم إلا عليّ».
قال علي u: «فجلست على الباب وخلا النبي صلى الله عليه وآله بالطعام وكشف الطبق فإذا عذقٌ من رطب وعنقودٌ من عنب، فأكل النبي صلى الله عليه وآله منه شبعاً وشرب من الماء رياً، ومد يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرئيل، وغسل يده ميكائيل وتمندله إسرافيل وارتفع فاضل الطعام مع الإناء إلى السماء» .
ثم قام النبي صلى الله عليه وآله ليصلي فاقبل عليه جبرئيل وقال: «الصلاة محرمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة عليها السلام فتواقعها، فإن الله U آلى على نفسه أن يخلق من صلبك هذه الليلة ذرية طيبة»، فوثبرسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزل خديجة عليها السلام.
قالت خديجة عليها السلام: «وكنت قد ألفت الوحدة فكان إذا جنّتني الليل غطيت رأسي، وأسجفت ستري، وغلقت بابي، وصليت وردي، وأطفأت مصباحي، وآويت إلى فراشي، فلما كان في تلك الليلة لم أكن بالنائمة ولا بالمنتبهة إذ جاء النبي صلى الله عليه وآله فقرع الباب فناديت: من هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها إلا محمد صلى الله عليه وآله ؟» .
قالت خديجة عليها السلام: فنادى النبي صلى الله عليه وآله بعذوبة كلامه، وحلاوة منطقه: افتحي يا خديجة فإني محمد .
قالت خديجة عليها السلام: فقمت فرحة مستبشرة بالنبي صلى الله عليه وآله وفتحت الباب، ودخل النبي المنزل، وكان صلى الله عليه وآله إذا دخل المنزل دعا بالإناء فتطهر للصلاة ثم يقوم فيصلي ركعتين يوجز فيهما، ثم يأوي إلى فراشه، فلما كان في تلك الليلة لم يدع بالإناء، ولم يتأهب للصلاة، غير أنه أخذ بعضدي وأقعدني على فراشه وداعبني ومازحني؛ وكان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها، فلا والذي سمكَ السماء، وأنبع الماء، ما تباعد عني النبي صلى الله عليه وآله حتى أحسست بثقل فاطمة في بطني» .
وفاطمة هي ذلك النور الذي تولد في هذا الوجود، فكانت هي أفضل نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي التي إذا اشتاق الرسول صلى الله عليه وآله إلى ريح الجنة جاء يقبلها .
عن عائشة قالت: «قلت يا رسول الله مالك إذا أقبلتْ فاطمة جعلت لسانك في فيها كأنك تريد أن تلعقها عسلاً ؟
فقال صلى الله عليه وآله : لما أُسري بي دخلت الجنة فناولني جبرئيل تفاحة فأكلتها فصار نطفة وفاطمة عليها السلام منها، وكلما اشتقت إلى ريح الجنة قبلتها» .
وسميت الزهراء «لأنها تزهر لأمير المؤمنين u في النهار ثلاث مرات بالنور، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلى الله عليه وآله فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام ، فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة عليها السلام، فإذا انتصف النهار وترتبت للصلاة زهر وجهها عليها السلام بالصفرة، فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم فيأتون النبي صلى الله عليه وآله فيسألونه عما رأوا، فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجهها فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمر وجه فاطمة عليها السلام فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً لله U ، فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمر حيطانهم، فيعجبون من ذلك، ويأتون النبي صلى الله عليه وآله ويسألونه عن ذلك، فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيرونها جالسة تسبح الله وتمجده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها السلام ».
إن للإنسان بصيرة وله بصر. أما البصر فيرى به الأشياء التي من حوله وأما البصيرة فيرى فيها الحقائق التي لا ترى بالعين المجردة.
وكما أن الإنسان لا يرى في الظلام، فإنه يحتاج في بصيرته لكي يرى إلى النور، وذلك هو نور فاطمة عليها السلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «لمّا خَلق الله الجنةَ، وخلقها من نور عرشه ثمَّ أخذ من ذلك النور فقذفه فأصابني ثلثُ النور، وأصاب فاطمةَ عليها السلام ثلثَ النور، وأصاب علياً وأهل ولايته ثلث النور فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمد، ومَن لم يُصبه من ذلك النور ضلّ عن ولاية آلِ محمد صلى الله عليه وآله » .
و «لما أراد الله Y أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة فكانت الملائكة لا ينظر أولها من آخرها، ولا آخرها من أولها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه، فنسألك بحق هذه الأنوار إلا ما كشفت عنا. فقال الله تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لأفعلن. فخلق نور فاطمة عليها السلام يومئذٍ كالقنديل وعلقه في قرط العرش فزهرت السموات السبع والأرضون السبع، ومن أجل ذلك سميت فاطمة الزهراء عليها السلام ، وكانت الملائكة تسبح الله وتقدسه ، فقال الله U: وعزتي وجلالي لأجعلن ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها».
فإذا ما أردنا أن نرى الكون بين أيدينا فلنأخذه من نور فاطمة الزهراء عليها السلام وأبيها وبعلها وبنيها، فكما تقول فاطمة الزهراء عليها السلام : «أبوا هذه الأمة محمد وعلييقيمان أودهم وينقذانهم من العذاب الدائم إن أطاعوهما ويبيحانهم النعيم الدائم إن وافقوهما» .
ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله: «أنا وعلي أبوا هذه الأمة ولحقنا عليهم أعظم من أي حق أبوي ولادتهم فإنا ننقذهم - إن أطاعونا - من النار إلى دار القرار، ونلحقهم من العبودية بخيار الأحرار» .
وإذا ما آثر الإنسان طاعة أبوي دينه على طاعة أبوي نسبه آثره الله وشرفه بحضرتهم .
يقول الإمام الحسن u : «من آثر طاعة أبوي دينه محمد صلى الله عليه وآله وعلي u على طاعة أبوي نسبه، قال الله U له: لأؤثرنّك كما آثرتني ولأشرفنك بحضرة أبوي دينك، كما شرفت نفسك بإيثار حبهما على حب أبوي نسبك» .
وقالت فاطمة الزهراء عليها السلام لبعض النساء: «أرضي أبوي دينك محمداً وعلياً بسخط أبوي نسبك ولا ترضي أبوي نسبك بسخط أبوي دينك، فإن أبوي نسبك إن سخطا أرضاهما محمد صلى الله عليه وآله وعلي u بثواب جزء من ألف ألف جزء من ساعة من طاعاتهما.
وإن أبوي دينك [محمداً وعلياً] إن سخطا لم يقدر أبوا نسبك أن يرضياهما لأن ثواب طاعات أهل الدنيا كلهم لا يفي بسخطهما» .
فمن أراد أن يرضي فاطمة الزهراء عليها السلام لتشمله بنورها فليؤدي حق أبوا دينه ليكون دائماً في نعمة البصر والبصيرة، ومن رضيت عنه فاطمة عليها السلام فقد رضي النبي صلى الله عليه وآله  عنه، يقول النبي صلى الله عليه وآله : «رضا فاطمة من رضاي، وسخطها من سخطي، من أرضاها فقد أرضاني، ومن أسخطها فقد أسخطني».




إرسال تعليق

 
Top