0
الحقيقة الإنسانية والنظرة الكونية
الحقيقة الإنسانية والنظرة الكونية
يقول الإمام زين العابدين u في دعائه بعد الفراغ من صلاة الليل لنفسه في الاعتراف بالذنب : «أنا العبد الضعيف عملاً، الجسيم أملاً، خرجت من يدي أسباب الوصلات إلا ما وصله رحمتك، وتقطعت عني عصم الآمال إلا ما أنا معتصم به من عفوك، قلَّ عندي ما اعتدُّ به من طاعتك، وكَثُرَ عليَّ ما أبوء به من معصيتك ولن يضيق عليك عفوٌ عن عبدك وإن أساءَ، فاعف عني.... فهذا مقام العائذ بك، ومَحَلُّ المعترف لك، فلا يضيقنَّ عني فضلك، ولا يَقصُرَنَّ دوني عفوك، ولا أكن أَخْيَبَ عبادك التائبين، ولا أقْنَطَ وفودك الآملينَ، واغفر لي إنك خير الغافرين، اللهم إنك أمرتني فَتركتُ، ونهيتني فركِبْتُ، وسوَّلَ لي الخَطَأَ خاطرُ السوء ففرَّطْتُ، ولا أستشهِدُ على صيامي نهاراً، ولا أستجير بتهجدي ليلاً، ولا تُثني عليَّ بإحيائها سنَّةٌ حاشى فروضِكَ التي من ضيعها هلك» .

لكل إنسان في هذه الحياة نافذة ينظر من خلالها إلى هذا الكون، فنافذة العالم الفيزيائي تختلف عن نافذة العالم الكيميائي، وبالتالي فلكل منهما وجهة نظر قد تلتقيان في بعض المواقع إلا أنهما تختلفان في مواضع كثيرة أخرى.
كما أن نافذة الإنسان التاجر ونظرته لهذا الكون تختلف عن الإنسان العابد، فلكل واحد من هؤلاء زاويته التي تهمه من هذا الكون، فتراه منهمكاً في معرفة أدق التفاصيل عنها، كما أن لكل واحد منهم كلماته التي يعبر فيها عن وجهة نظره عن هذا الكون، ولنا أن نسأل هنا عن النظرة الإنسانية للحقيقة الكونية، ثم ما معنى الإنسانية وما هي حقيقتها ؟ وهل يحمل الإنسان هذه الإنسانية ؟
إذا ما أردنا أن نصل إلى الجواب لا بد من الولوج إلى باحة القلب ليفتح لنا مغاليق تلك الأبواب التي أقفلت بالحديد، لكي نعرف مكمن الإنسانية، وهل هي هذا الجزء الكمثري الشكل، القلب اللحمي، أم أن حقيقة الإنسانية شيء أعلى وأكبر؟
إن حقيقة الإنسانية أمر أكبر من هذا، إنها عبارة عن معرفة النفس ، ومعرفة أنها ذليلة أمام الله U، فإذا ما وصل الإنسان إلى هذه الحقيقة، وحقيقة الاعتراف بالتقصير والإقرار به، فإنه يصل إلى سر الأسرار.
إن إنسانية المرء وكماله ونقصه إنما يعرف بما يجعل نفسه فيه ويرضاه لنفسه من الأشغال والأعمال والدرجات الرفيعة والمنازل الخسيسة، فكم من فرق بين من لا يرضى لنفسه إلا كمال درجة العلم والطاعة والقرب والوصال، وبين من يرتضي أن يكون مضحكة اللئام لأكلة ولقمة، ولا يرى لنفسه شرفاً ومنزلة سوى ذلك. 




إرسال تعليق

 
Top