0
أزلية العذاب
أزلية العذاب
إذا ما كان يوم القيامة، وخلد الإنسان المؤمن في الجنة، وخلد الإنسان العاصي في النار، فالبعض يقول : لماذا يعذب الإنسان أكثر من عمره ؟
ذهب البعض إلى أن الإنسان لن يعذب أكثر من سبعين سنة فقط، ثم لا يأتيه بعد ذلك أي عذاب إلا أنه يتلذذ به كما يتلذذ الإنسان بالروائح الكريهة كما يستلذ الجعل بالخثاء وهي خنفساء تعيش في وسط روث الحيوانات ، وهذا باطل لأن الله تعالى يقول: )إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ(.
إذاً فما السبب في أن الإنسان يعذب أكثر من عمره ؟
أولاً: إما أنه معامل على حسب النية أي أن الإنسان ينظر إلى نيته، فلو عاد إلى الدنيا فسوف يعود إلى ما كان عليه ) قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(، ثم بعدها)لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً(.
ويقول تعالى: )وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا(.
وقد يقول قائل: لماذا يعذب القاتل في النار ملايين السنين في وقت استغرق فيه قتل أخيه الإنسان لحظات معدودات؟
إن القضية ليست في قتل ذلك الإنسان لوحده، بل هي قطع سلالة دامت أكثر من ثلاثة أو أربعة آلاف سنة.
يقول تعالى: )مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً( .
ثانياً : إن الإنسان بقتل أخيه الإنسان قد أضاع ثلاثين أو أربعين سنة من التربية والتغذية والتعب المضني التي قضاها ذلك المقتول وأبواه ليصل إلى ذلك العمر، ثم يأتي القاتل ليقتله في لحظات ، ثم نطلب أن يكون جزاؤه من العذاب بمقدار استغراقه عملية القتل أو بمقدار عمر المقتول.
يقول الإمام الصادق u: إن داود النبي u قال: يا رب أخبرني بقريني في الجنة ونظيري في منازلي.
فأوحى الله تبارك وتعالى إليه أن ذلك متّى أبا يونس.
قال: فاستأذن الله في زيارته، فأذن له فخرج هو وسليمان ابنه حتى أتيا موضعه، فإذا هما ببيت من سعف فقيل لهما: هو في السوق، فسألا عنه فقيل لهما: اطلباه في الحطابين، فسألا عنه، فقال لهما جماعة من الناس نحن ننتظره الآن يجيء.
فجلسا ينتظرانه إذ أقبل وعلى رأسه وقر من حطب، فقام إليه الناس فألقى عنه الحطب فحمد الله وقال: مَنْ يشتري طيباً بطيب ؟
فساومه واحد وزاد بآخر حتى باعه من بعضهم.
قال: فسلما عليه، فقال: انطلقا بنا إلى المنزل، واشترى طعاماً بما كان معه، ثم طحنه وعجنه ثم أجج ناراً وأوقدها، ثم عجن العجين في تلك النار، وجلس معهما يتحدث، ثم قام وقد نضجت خبيزته فوضعها في الإجانه، وفلقها وذر عليها ملحاً، ووضع إلى جنبه مطهرة ماء، وجلس على ركبتيه، وأخذ لقمة فلما وضعها إلى فيه قال: بسم الله ، فلما ازدردها قال: الحمد لله، ثم فعل ذلك بأخرى، ثم أخذ الماء فشرب منه فذكر اسم الله فلما وضعه قال:
الحمد لله يا رب من ذا الذي أنعمت عليه ما أوليته مثل ما أوليتني قد صححت بصري وسمعي وبدني وقويتني حتى ذهبت إلى شجر لم أغرسه، ولم أهتم لحفظه جعلته لي رزقاً وسقت إليّ من اشتراه مني فاشتريت بثمنه طعاماً لم أزرعه وسخرت لي النار فأنضجته وجعلتني آكله بشهوة أقوى به على طاعتك فلك الحمد.
قال: ثم بكى.
قال داود u: يا بني قم فانصرف بنا فإني لم أرَ عبداً قط أشكر من  هذا .
ويذهب الشيخ الأوحد أعلى الله مقامه إلى أن الإنسان يعذب ويبقى في العذاب، وليس ستون سنة أو ثمانون كما يقول الفلاسفة بل يعذب ملايين السنين، وإذا ما وضع الإنسان في قبره، فإن كان ممن محض الإيمان كان ممن يخرج مع صاحب العصر والزمان ويكون ناصراً له.
على الإنسان أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب يوم القيامة، )يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(، وإلا فكيف بنا إذا جمعنا الله كالنبل في الكنانة خمسين ألف سنة ثم لا ينظر إلينا.

يقول الإمام الصادق عليه السلام: «فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا فإن في القيامة خمسين موقفاً كل موقف مثل ألف سنة مما تعدون» ثم تلا: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)




إرسال تعليق

 
Top